حقيقة الحرملك .
الكاتب مراد دومان
الأرشيف العثماني
في مرحلة توطيد أركان الدولة كان السلاطين العثمانيون يتزوجون ببنات حكام الدول المجاورة أو بنات الأعيان والأشراف ولكن ما إن حلت مرحلة الازدهار حتى تغيرت هذه الحالة حيث بدأ السلاطين يكتفون في غالب الأحيان بالزواج ببعض جواري القصر فقط وذلك ليمنعوا التدخلات السيئة التي يحتمل أن يقوم بها الأصهار مستغلين قرابتهم من السلطانة زوجة السلطان.
وفي المراحل اللاحقة بدأ السلطان يعيش مع عائلته داخل القصر في جناح يسمى الحرملك الذي أعيدت تنظيم هيكلته من جديد في عهد السلطان محمد الفاتح. وبعد فتح إسطنبول في النصف الثاني من القرن السادس عشر الميلادي نقل حريم السلطان الذي كان في قصر العتيق في حي بيازيد إلى قصر توب قابي الذي أقام فيه السلاطين العثمانيون زمنا طويلا.
لابد أن نشير بداية إلى أن الحرملك الذي نقشت جدرانه ومداخله بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية والأدعية المأثورة وصفت الحياة فيه من قبل الغربيين بشكل خيالي مجاف للحقيقة. ولكن على الرغم من كل تلك الأوصاف الزائفة ظل الحريم محافظا على حرمته وأصالته فلم تتلطخ فيه قدسية العائلة التي هي مهد الأخلاق الإسلامية والأصالة التركية لأن السلاطين حرصوا أشد الحرص على أن يضعوا حواجز بينهم وبين سكان الحريم ويتعاملوا معهم ضمن قواعد صارمة ومعايير منضبطة.
ومما يجب لفت الانتباه إليه أيضا هو أن التاريخ سجل الكثير من مكائد النساء في القصور الأوربية ولكن لا نرى في المقابل إلا القليل من قبيل هذه الأحداث في قصور الدولة العثمانية من مثل ما وقع في أيام السلطانة من الجواري هرم زوجة السلطان سليمان القانوني وأيام السلطانة نور بانو وصفية وكوسم.
ولا شك أن أهم سبب أدى إلى هذه التدخلات من قبل النساء العثمانيات هو جلوس جل السلاطين على سدة الحكم في سن الصغر وذلك منذ عهد السلطان أحمد الأول وطيلة معظم القرن السابع عشر الميلادي.. أدى هذا الأمر إلى صعوبة السيطرة على الدولة ومن ثم إلى غياب السلطة في التنظيم كما أثر بطبيعة الحال على مؤسسة الحريم تأثيرا سلبيا حيث بدأت أمهات السلاطين بالتدخل في شؤون الدولة وفرض نفوذهن على الحكم بشكل لم يكن له مثيل سابق في الدولة العثمانية
حقيقة الحرملك. تابع .....
استمر هذا الوضع حتى عهد السلطان محمد الرابع الذي تربع على العرش في السابعة من العمر حيث قامت والدته السلطانة خديجة تورهان بمساعدة وتوجيه ابنها السلطان في النصف الأول من حكمه ثم تركته ليحكم البلاد بنفسه وراحت هي تنشغل بتربية نساء الحريم وترسيخ فكرة عدم تدخل النساء في شؤون الدولة والسياسة.. وقد استمرت هذه التربية المحمودة حتى نهاية عهد الدولة العثمانية. ولابد أن ننوه هنا أن تدخل بعض أمهات السلاطين في الحكم كان خوفا منهن على زوال الدولة